خيار شمشون

إسقاط خيمة الشرعية الفلسطينية هو خيار شمشون ..د. عبير ثابت

  • إسقاط خيمة الشرعية الفلسطينية هو خيار شمشون ..د. عبير ثابت

اخرى قبل 5 سنة

إسقاط خيمة الشرعية الفلسطينية هو خيار شمشون ..د. عبير ثابت

يجب أن يعلم الجميع بأن ما ينطبق على الحركات الثورية لا ينطبق بالضرورة على الأنظمة السياسية؛ ولو كان للفلسطينيين كيان مستقل لاختلف الوضع تماما واختلف معه المشهد السياسى، ولكننا ما زلنا تحت الاحتلال ونظامنا السياسى الفلسطيني بفعل ذلك لم يكتمل لينتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة حتى وإن بدا لقصيرى النظر السياسي غير ذلك، ولا زلنا في مرحلة تحرر وطنى تستدعى من الجميع رص الصفوف وتعزيز الوحدة وتقديم المصالح الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية؛ وتلك المرحلة الحرجة التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية وتعصف بها المؤامرات التي تسعى لتصفيتها وانهائها تتطلب ميكانزمات عمل وطنى جاد مغاير تماما لما نشهده اليوم من تشرذم في الحالة الفلسطينية وانقسام وحملات مشبوهة لتعميق الفرقة والخلاف؛ ومحاولة البعض للتوجه إلى ميكانزمات عمل مضمونها تدمير ما تبقى لنا من بقايا وحدة وطنية وشرعية تحت خيمة الممثل الشرعى السياسى الوحيد الذى يحظى باعتراف دولى وسياسى لتمثيل الفلسطينيين؛ وهذا الاعتراف الدولى لم يأت بشكل مجانى بل دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا من دمائه ثمنا له وذلك عبر قرابة ستة عقود من الزمن كانت شاهدة على تضحيات شعبنا.

وسؤال يراود الكل الفلسطيني اليوم ما الذى يعنيه غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المشهد السياسى ؟ والاجابة بكل بساطة  ان هذا يعنى دخول الحالة الفلسطينية في فوضى وصراعات من الصعب السيطرة عليها أو الخروج منها بسهولة ؛ وكيف لو كان هذا الغياب عن طريق نموذج ثورات الربيع العربي والتى ستطالب باسقاط النظام ؛ وهذا النظام لدينا اليوم هو منظمة التحرير، وسقوط منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها من المشهد السياسى هو الهدف النهائي، والذين يدعون اليوم لرحيل الرئيس محمود عباس عبر استنساخ مشهد كاذب ومضلل لثورات الربيع العربى إنما هم في الحقيقة يستجيرون من رمضائهم بلهيب نار لن تبقى ولن تذر، وهذا المشهد الفوضوى في مخيلة أولئك الداعين لرحيل الرئيس لن ينتج حلا لأي من معضلاتنا الفلسطينية الحالية على العكس تماما إنما سيدخلنا في أتون أزمات لا عودة منها .

وهذا لأن منظمة التحرير الفلسطينية ليست نظاما سياسيا حتى تسقط ويسقط رئيسها عبر تظاهرات موجهة، فمنظمة التحرير الفلسطينية هي حركة تحرر وطنى تستمد شرعيتها من الشرعية الثورية التي مضمونها النضال والانتفاض في وجه الاحتلال الاسرائيلى؛ وسقوطها إنما سيكون بمثابة كسر آخر قشة يتعلق بها الشعب الفلسطيني الغريق.

ومن ينادون اليوم بشوارع قطاع غزة بالنزول للمطالبة برحيل الرئيس؛ هل يسمحوا للشعب بالخروج لمطالبة حكام غزه بالرحيل خاصة فى ظل ما وصلت إليه أوضاع قطاع غزه بعد ما يزيد من عقد من عمر حكمهم؛ وذلك بعد أن حولوا غزة إلى مكان غير صالح للحياة الآدمية باعتراف الأمم المتحدة أم أن شرعية القوة تكيل بمكيالين.

وبالعودة للتاريخ فلم يشهد تاريخنا الفلسطيني خروج فلسطيني واحد يطالب بإسقاط تلك الخيمة الوطنية الجامعة المسماه منظمة التحرير لأنها ببساطة هي سقف شرعيتنا ومظلتنا السياسية أمام العالم. ولم تستطع إسرائيل عبر تاريخ الصراع أن تنال منها؛ ولكن للأسف ها نحن اليوم نرى من يخرج ليطالب بإسقاطها ومن حيث يدرى أو لا يدرى وهو في الحقيقة يختار خيار شمشون.  وهنا نسأل أولئك المطالبين باسقاطها هل لديكم بديل عن تلك الخيمة؟ وإن كان هناك بديل فهل هذا البديل هو بديل وطنى فلسطيني أم أنه بديل سيكون بمثابة إطلاق الرصاصة الأخيرة على المشروع الوطنى الفلسطيني المضاد لمشروع الحركة الصهيونية؛ والذى تبشر به التسوية الأمريكية والتي أصبح الإعلان عنها على الأبواب . ولنفترض غدا أن منظمة التحرير برئيسها قد خرجت من المشهد السياسى الفلسطيني؛ فهل بمقدورنا نحن الفلسطينيين في ظل الجغرافيا السياسية الحالية لمنطقة الشرق الأوسط أن نعيد تشييد ممثل شرعي جديد لنا يحظى بما تحظى به منظمة التحرير اليوم من اعتراف اقليمى ودولى أم أننا سندخل مرحلة هنود حمر الشرق الأوسط الجدد.

إن انحدار التنافس السياسى الفلسطيني الداخلى إلى هذا المستوى ليتحول الى صراع سياسى هو بمثابة اطلاق النار على أقدامنا؛ وهو ما ينذر بسقوط أعدل قضية إنسانية سياسية عرفها التاريخ السياسى الحديث . وما يحدث هو لعب بالنار فى أجواء ساخنة وعاصفة وليس بمقدور أيا كان التنبوء بمآلات الأمور؛ وحتى لا نصل لتلك النقطة التي نوشك من الاقتراب منها؛ يجب التحرك السريع من العقلاء لتدارك هذا الانحدار والضغط على الجميع للملمة بيتنا الفلسطيني؛ قبل أن تتحول إلى كارثة يصعب تداركها؛ ومضمون هذا التدارك المحافظة على بقاء منظمة التحرير الفلسطينية كخيمة للشعب الفلسطيني وأن تبقى خط أحمر يحرم تجاوزه. ومن يريد أن يسمع صوت شعبه فثمة طرق شرعية وطبيعية لذلك وهى صندوق الاقتراع؛ فصوت صندوق الاقتراع هو أصدق الأصوات وأقلها ضوضاء وخسائر.

وليعي كل من يحاول اسقاط الخيمة أن خيمة معبدنا الثورى ستسقط فوق رؤوس الجميع في حال سقوطها لا قدر الله بما فيهم أولئك الذين يطالبون اليوم بذلك.

 

التعليقات على خبر: إسقاط خيمة الشرعية الفلسطينية هو خيار شمشون ..د. عبير ثابت

حمل التطبيق الأن